فصل: باب يُرْفَعُ الْحَدَثُ وحُكْمُ الْخَبَثِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شفاء الغليل في حل مقفل خليل


بسم الله الرحمن الرحيم

.المقدمة:

وبه نستعين، ربِّ يسّر يا كريم... آمين
قال الشيخُ، الفقيهُ، الإمامُ، العالمُ، العلاَّمة، الحافظُ المتقنُ، المحقِّقُ، البليغُ، الصالحُ، الفاضلُ المتبركُ به، الصدر الأوحد، ترجمان الفقهاءِ، ورئيس النُبَهاءِ، أبو عبدالله محمد بن أحمد بن محمد بن محمد علي بن غازي العثماني المكناسي، غفر الله له، وتغمده برحمته، وتجاوز عنه بمنه وكرمه وفضله، وأبقى بركته، ورضي عنه، ونفعنا به وبأمثاله:
الحمدُ للّهِ الذي منّ علينا بنعمة الإسلام، وجعلنا من أمة نبينا محمدٍ عليه الصلاة والسلام؛ فبيّن لنا - صلى الله عليه وسلم - الحدود والأحكام، وفصّل لنا الحلال والحرام، وأورث علماءنا من معارفه ما جلّو به عنّا غياهب الظلام، وكشفوا به عن أبصار بصائرنا سدف الغمام، فصنّفوا لنا في ذلك المطولات الضخام، والمختصرات الصغيرات الأجرام، جزاهم الله تعالى عنّا أفضل ما جزى إماماً عن ذوي إئتام، وجعلنا وإياهم في مستقر رحمته بدار السلام أما بعد:
فإنّ مختصر الشيخ العلامة خليل بن إسحاق أفضل نفائس الأعلاق، وأحقّ ما رمق بالأحداق، وصرفت إليه همم الحذّاق؛ إذ هو عظيمُ الجدوى، بليغُ الفحوى، مُبين لما به الفتوى، أو ما هو المرجّح الأقوى، قد جمع الاختصار في شدة الضبط والتهذيب، وأظهر الاقتدار في حسن المساق والترتيب، فما نسج أحدٌ على منوالهِ، ولا سمحت قريحةٌ بمثالهِ، ولله درّ الشيخ الأديب البارع أبي الحسن عليّ بن أبي حمامة السلوى إذ يقول فيه:
خَلَلت من قلبي مسالك نفسه ** والروْحَ قد أحكمتَهُ تخليلا

أخليلُ إني قد وهبتك خلة ** ما مثلها يهب الخليل خليلا

فخليل نفسي من يود خليلها ** وخلاه ذم إن أحب خليلا

ولقد عُني تلميذه الإمام أبو البقاء بهرام بحلِّ رموزه، واستخراج كنوزه، وافتراع أبكاره، واقتباس أنواره، واجتناء ثماره، واجتلاء أقماره بأظرف عبارة، وألطف إشارة، إلاّ أماكن أَضْرَب عنها صفحاً، أو لم يُجِدها شرحاً؛ فتحرك مني العزم الساكن، لتتبع تلك الأماكن، فشرحتها في هذا الموضوع بقدر الاستطاعة، وإن كنت في العلم مزجي البضاعة، وأودعته مع ذلك نكتاً جملة، كل نكتة منها تساوي رحلة، وسمّيته بـ: "شِفَاءُ الغَلِيلِ في حلِّ مُقْفَلِ خَلِيلِ"، وأمّا ما خرج من ألفاظِ الشارحِ عن لفظِ المشروحِ، فلا يكون منّي للتنبيه عليه جنوحٌ؛ لأنّ ذلك مما يطول، ويشبه الفضول، ومن الله تعالى أستوهب التوفيق والهداية إلى التحقيق؛ فهو حسبي ونعم الوكيل، وهو على كلّ شيءٍ وكيل.
وقد رأيت أن أقدم هنا مقدمتين:
الأولى: في ذكر بعض مناقب المصنف - رحمه الله تعالى-.
الثانية: في أمور استنبطناها من كلامه بالاستقراء.
أمّا الأولى: فهو خليل بن إسحاق بن يعقوب، يُعرف بابن الجندي، كان عالماً عاملاً مشتغلاً بما يعنيه، حتى حُكي عنه: أنه أقام عشرين سنة لم ير النيل وهو بمصر، وحكي عنه أنه جاء يوماً لمنزل بعض شيوخه، فوجد كَنِيف المنزل مفتوحاً، ولم يجد الشيخ هناك، فسأل عنه؟ فقيل له: إنه شوّشه أمر هذا الكَنِيف، فذهب يطلب من يُستأجر على تنقيته، فقال خليل: أنا أولى بتنقيته، فشمّر ونزل يُنَقّيه، فجاء شيخه فوجده على تلك الحال، والناس قد حلّقوا عليه ينظرون إليه تعجُّباً من فعلِهِ فقال: من هذا؟ فقالوا: خليل؛ فاستعظم الشيخ ذلك، وبالغ في الدعاء له عن قريحة ونية صادقة، فنال بركة دعائه، ووضع الله تعالى البركة في عمره. فسبحان الفتّاح العليم.
وحدثنا شيخنا أبو زيد الكاواني، عمن رأي خليلاً بالديار المصرية: يلبس الثياب القصار، أظنّه قال: ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
وسمعت شيخنا العلاّمة أبا عبد الله القوري يحكي أنه بلغه عنه أنّه كان من أهل المكاشفات، وأنه مرّ بطباخ دلّس الناس ببيع لحم الميتة، فكاشفه وزجره؛ فأقرّ وتاب على يديه.
أخذ رحمه الله تعالى عن الشيخ الفقيه الصالح أبي محمد عبد الله المنوفي... وغيره، وتوفي ثالث عشر أحد شهري ربيع سنة ست وسبعين وسبعمائة، وفي هذه السنة توفي الشيخ أبو عمران موسى بن محمد بن معطي العبدوسي، وأبو عبد الله بن الخطيب السلماني.
وأمّا المقدمة الثانية: فمن عادته أنه لا يمثِّل بشيء إلاّ لنكتة، من رفع إيهام، أو تحذير من هفوة، أو إشارة لخلاف، أو تعيين لمشهور، أو تنبيه بالأدنى على الأعلى، وعكسه، أو محاذاة نصّ الكتاب أو نحو ذلك، مما يستطعمه من فتح له في فهمه.
ومن قاعدته: أنه إذا جمع نظائر وكان في بعضها تفصيل أخّره، وقيّده بأحد طرفي التفصيل، ثم يتخلّص منه لطرفه الآخر مع ما يناسبه من الفروع فيحسن تخلّصه غاية، وينتظم الكلام، ويأخذ بعضه بحجزة بعض.
ومن قاعدته غالباً أنه: إذا جمع مسائل مشتركة في الحكم والشرط نسّقها بالواو، فإذا جاء بعدها بقيدٍ علمنا أنه منطبق على الجميع، وإن كان القيد مختصاً ببعضها أدخل عليه كاف التشبيه، فإذا جاء بالقيد علمنا أنه لما بعد الكاف.
وأمّا نسجه على منوال ابن الحاجب في بعض اصطلاحه فواضح.

متن الخليل:
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يَقُولُ الْفَقِيرُ الْمُضْطَرُّ لِرَحْمَةِ رَبِّهِ، الْمُنْكَسِرُ خَاطِرُهُ لِقِلَّةِ الْعَمَلِ والتَّقْوَى، خَلِيلُ ابْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُوسَى عَفَا اللهُ عَنْهُ بِمَنِّهِ الْمَالِكِيُّ الْحَمْدُ للّهِ حَمْداً يُوَافِي مَا تَزَايَدَ مِنَ النِّعَمِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى مَا أَوْلانَا مِنَ الْفَضْلِ والْكَرَمِ، لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ هُوَكَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، ونَسْأَلُهُ اللُّطْفَ والإِعَانَةَ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ، وحَالَ حُلُولِ الإِنْسَانِ فِي رَمْسِه.
وَالصَّلاةُ والسَّلامُ، عَلَى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْعَرَبِ والْعَجَمِ، الْمَبْعُوثِ لِسَائِرِ الأُمَمِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ وأَزْوَاجِهِ وذُرِّيَّتِهِ وأُمَّتِهِ أَفْضَلِ الأُمَمِ،،، وبَعْدُ:
فَقَدْ سَأَلَنِي جَمَاعَةٌ أَبَانَ اللهُ لِي ولَهَمُ مَعَالِمَ التَّحْقِيقِ، وسَلَكَ بِنَا وبِهِمْ أَنْفَعَ طَرِيقٍ، مُخْتَصَراً عَلَى مَذْهَبِ الإِمَامِ مَالِكٍ بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهْ اللهُ تَعَالَى، مُبَيِّناً لِمَا بِهِ الْفَتْوَى، فَأَجَبْتُ سُؤَالَهُمْ بَعْدَ الاسْتِخَارَةِ.
الشرح:
مُشِيراً بِـ (فِيهَا) لِلْمُدَوَّنَةِ.
قوله: (مُشِيرًا بِفِيهَا لِلْمُدَوَّنَةِ) يريد وبنحو: رُويت، وحُملت، وظاهرها، وأُقيمَ منها.
وَبِـ (أَوَّلَ) إِلَى اخْتِلافِ شَارِحِيهَا فِي فَهْمِهَا.
قوله: (وَبِأَوَّلَ إِلَى اخْتِلافِ شَارِحِيهَا فِي فَهْمِهَا) أي: ومشيراً بمادة (أول) ليندرج نحو: تأويلان وتأويلات، وهذا النوع من الاختلاف إنما هو في جهات محمل لفظ الكتاب، وليس في آراء في الحمل على حكم من الأحكام فتعد أقوالاً.
وَبِـ (الاخْتِيَارِ) لِلَّخْمِيِّ، لَكِنْ إِنْ كَانَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَذَلِكَ لاخْتِيَارِهِ هُوَفِي نَفْسِهِ، وبِالاسْمِ فَذَلِكَ لاخْتِيَارِهِ مِنَ الْخِلافِ، وبِـ(التَّرْجِيحِ) لابْنِ يُونُسَ كَذَلِكَ. وبِـ(الظُّهُورِ) لابْنِ رُشْدٍ كَذَلِكَ وبِـ (الْقَوْلِ) لِلْمَازِرِيِّ كَذَلِكَ..
قوله: (وَبِالاخْتِيَارِ لِلَّخْمِيِّ.. إلى آخره) إنما جعل الفعل لاختيار الأشياخ في أنفسهم، والاسم والوصف لاختيارهم من الخلاف المنصوص لمن قبلهم؛ لأن الفعل يدل على الحدوث، والوصف يدل على الثبوت، وخصّهم بالتعيين لكثرة تصرفهم في الاختيار.
وبدأ باللخمي؛ لأنه أجرأهم على ذلك؛ ولذا خصه بمادة الاختيار.
وخصّ ابن يونس بالترجيح؛ لأن أكثر اجتهاده في الميل مع بعض أقوال من سبقه، وما يختاره لنفسه قليل.
وخصّ ابن رشد بالظهور لاعتماده كثيراً على ظاهر الروايات فيقول: يأتي على رواية كذا وكذا، وظاهر ما في سماع كذا وكذا.
وخصّ المازري بالقول؛ لأنه لما قويت عارضته في العلوم، وتصرّف فيها تصرف المجتهدين كان صاحب قول يعتمد عليه:
إذا قَالت حَذامِ فصدّقوها ** فإنّ القَوْلَ مَا قَالَتْ حَذامِ

ولا حجر فى اصطلاح ولا تسمية.
توفي أبو الحسن اللخمي سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، وأبو بكر بن يونس سنة واحد وخمسين وأربعمائة، وأبو الوليد بن رشد سنة عشرين وخمسمائة، وأبو عبد الله المازري سنة ست وثلاثين وخمسمائة، وقد نيّف على الثمانين سنة.
وقد عرّف عياض بالأوّلين في"المدارك" وبالآخرين في: "الغنية"؛ غير أنه لم يذكر وفاة ابن يونس؛ وإنما أفادنيها شيخنا العلاّمة أبو عبد الله القوري.
متن الخليل:
وَحَيْثُ قُلْتُ: (خِلافٌ) فَذَلِكَ لِلاخْتِلافِ فِي التَّشْهِيرِ، وحَيْثُ ذَكَرْتُ (قَوْلَيْنِ) أَوْ (أَقْوَالاً) فَذَلِكَ لِعَدَمِ اطِّلاعِي فِي الْفَرْعِ عَلَى أَرْجَحِيَّةٍ مَنْصُوصَةٍ.
الشرح:
فإن قلت: لم قال أولاً: (وَحَيْثُ قُلْتُ: خِلافٌ)؟ فعبّر بالقول، ورفع لفظَ خلاف، وقال ثانياً: (وحَيْثُ ذَكَرْتُ قَوْلَيْنِ أَوْ أَقْوَالاً) فعبّر بالذكر، ونصب (قولين) و(أقوالاً)؟
قلت: لما كان ذكره الأقوال أعمّ من أن يتلفظ بها أو يقول مثلاً: وهل كذا أو كذا ثالثها كذا، ورابعها كذا، لم يصلح الرفع على الحكاية، ولا القول المناسب؛ لذلك فلو قال وحيث قلت أقوال؛ لخرح ما لم يتلفظ به بصيغة القول كثالثها رابعها، بخلاف (خلاف)؛ فإن حكايته بعد القول لا تُخْرِج معنىً يريد إدخاله.
فإن قلتَ: لا يطَّرد ذلك بهذا إلا في الأقوال لا القولين.
قلت: بل هو جارٍ في القولين أيضاً كقوله في باب الرهن: (وَرَجَعَ صَاحِبُهُ بِقِيمَتِهِ أَوْ بِمَا أَدَّى مِنْ ثَمَنِهِ، نُقِلَتْ عليهما). ولو لم يوجد له في القولين لقلنا: لمّا بيّن وجه اصطلاحه فيهما دفعة كانت التثنية تبعاً للجمع، قيل: وبحمل المستفتي على معين من الأقوال المستوية جرى العمل، وقد ذكر اللخمي في ذلك قولين في باب صلاة السفر فقال: وإذا كان في البلد فقهاء ثلاثة كلٌ يرى غير رأي صاحبيه وكلٌ أهل للفتوى، جاز للعامي أن يقلّد أيهم أحبّ، وإن كان عالم واحد فترجحت عنده الأقوال جرت على قولين:
أحدهما: أن له أن يحمل المستفتي على أيهما أحب.
والثاني: أنه في ذلك كالناقل يخبره بالقائلين وهو يقلّد أيهم أحب، كما لو كانوا أحياء.

متن الخليل:
وَأَعْتَبِرُ مِنَ الْمَفَاهِيمِ مَفْهُومَ الشَّرْطِ فَقَطْ.
الشرح:
قوله: (وَأَعْتَبِرُ مِنَ الْمَفَاهِيمِ مَفْهُومَ الشَّرْطِ فَقَطْ) إنما خصّ مفهوم الشرط دون سائر مفهومات المخالفة العشرة المجموعة في قولنا:

صِفْ واشْتَرِطْ عَلِلْ ولَقبْ ثُنْيَا ** وعُدّ طَرَفَيْن وحَصْرَاً أَغْيَا

أي: غاية لأن مفهوم الشرط أقواها؛ إذ يقول به بعض من لا يقول بغيره، إلا مفهوم الغاية، فإنه يقول به بعض من لا يقول بمفهوم الشرط، إلاّ أنه قليل ولا يتأتي معه اختصار؛ فلذا تركه، وأمّا مفهوم الموافقة فمتفق عليه، وهو معتبر عنده كقوله في باب الحجر: (وللولي رد تصرف مميز)؛ إذ غير المميز أحرى. فإن قلنا: إنه من باب النص أو القياس الجلي، على رأي من يقول بهما، فلا إشكال، وإن قلنا: إنّه من المفهومات فهو أحرى من مفهوم الشرط، فكأنه اعتبره في نفس ما نحن بصدده.
ومن البيّن أنه لابد أن يستثني مما ذكر أنه لا يعتبره مفهوم الوصف الكائن في التعريفات؛ فإنها فصول أو خواص يؤتى بها للإدخال والإخراج؛ ليطّرد المعرف ينعكس، ولا مرية أن الماهية المحكوم عليها بالحكم تنعدم بانعدام جميع أجزائها أو بعضها، فينعدم الحكم، وهذا موجود في كلامه وفي بعض الحواشي، وأظنّها مما قُيد عن: الشيخ أبي عبد الله محمد بن عمر بن الفتوح، يعتبر المصنف مفهوم الشرط لزوماً، ويعتبر غيره من المفاهيم جوازاً، يظهر ذلك بتأمل كلامه. انتهى. وقبله شيخنا العلاّمة أبو عبد الله القوري رحمه الله.
قلت: وإنما يحتاج لهذا فيما وصفُه بصفةٍ مثلاً، ولم يصرح بحكم ما خلا من تلك الصفة، وأما إذا صرح بحكم الخالي منها فلم يقنع بالمفهوم كقوله: (وإن بدهن لاصق)، ثم صرّح في مقابله بحكم غير الملاصق قائلاً: (كدهن خالط)، وهو كثير في كلامه.
وها هنا وجه إذ تم وسلم كان رقيق الحواشي، وهو أن يكون أراد باعتبار مفهوم الشرط اعتباراً خاصاً، زائداً على ما تقتضيه مفهومات الأوضاع اللغوية، بحيث ينزل مفهوم الشرط دون غيره منزلة المنصوص، فتنصرف إليه القيود والاستثناءات ونحوها، انصرافها للمنطوقات الملفوظ بها، وإذا حمل على هذا انحلّت به معضلات كثيرة في كلامه كقوله في باب: الجهاد: (وفِرَارٌ إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ ولَمْ يَبْلُغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا)، وقد تكلّمنا على بعضها في محالّها.

متن الخليل:
وَأُشِيرُ بِـ (صُحِّحَ) أَوِ (اسْتُحْسِنَ) إِلَى أَنَّ شَيْخاً غَيْرَ الَّذِينَ قَدَّمْتُهُمْ صَحَّحَ هَذَا أَوِ اسْتَظْهَرَهُ.
الشرح:
قوله: (وأُشِيرَ بِصُحِّحَ أَوِ اسْتُحْسِنَ إِلَى أَنَّ شَيْخاً غَيْرَ الَّذِينَ قَدَّمْتُهُمْ صَحَّحَ هَذَا أَوِ اسْتَظْهَرَهُ) أي: يشير إلى غير الأربعة المذكورين بلفظ (صُحِحَ) أو (اسُتحسن) مبنيين للمفعول، لقصده عدم التعيين؛ ولذا نكّر (شيخاً)، والأقرب إلى الحقيقة أن التصحيح فيما يصححه الشيخ من كلام غيره، والاستحسان فيما يراه، مع احتمال الشمول فيهما، وقد يعبّر بالوصف كـ (الأصح) و(الصحيح) و(الأحسن).

متن الخليل:
وَبِـ(التَّرَدُّدِ) لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ، أَوْ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ.
الشرح:
قوله: (وبِالتَّرَدُّدِ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ أَوْ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ) تردد المتأخرين في النقل اختلاف طرقهم في العزو للمذهب، فهو كقول غيره: وفي كذا طرق أو طريقان، وأما ترددهم لعدم نص المتقدمين فهو أقل في كلامه كقوله في السلس: (وفِي اعْتِبَارِ الْمُلاَزَمَةِ فِي وَقْتِ الصَّلاَةِ أَوْ مُطْلَقًا تَرَدُّدٌ) وكقوله: (وفِي خُفٍّ غُصِبَ تَرَدُّدٌ) وكقوله في الحج: (وفِي رَابِغٍ تَرَدُّدٌ) وكقوله فيه: (وفِي إجْزَاءِ مَا وَقَفَ بِالْبِنَاءِ تَرَدُّدٌ).
وينبغي أن يكون قوله: (أو لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ) معطوفاً على قوله: (في النقل)؛ فيكون المعنى: أن تردد المتأخرين مرة يكون في النقل عن المتقدمين، ومرة يكون لأجل عدم نصّ المتقدمين، فهو أولى من جعله معطوفاً على قوله: (لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ)، وإن كان متبادراً من جهة اللفظ، إذ يكون المعنى حينئذ أنه يشير بالتردد لأمرين:
أحدهما: تردد المتأخرين في النقل.
والثاني: عدم نصّ المتقدمين، ظاهره ولو لم يتردد المتأخرون في الأمر الثاني، وليس كذلك؛ لفقد معنى التردد الذي هو التحير، إذ لا تحير مع تحرير المتأخرين المقتدى بهم؛ ولا سيما أمثال من تقدم ذكره، وعلى التقديرين فلم يعطنا علامة نميّز بها بين الترددين، إلا أن الثاني أقل كما تقدم.

متن الخليل:
وَ أُشِيرُ بِـ (لَوْ) إِلَى خِلافٍ مَذْهَبِيٍّ.
الشرح:
قوله: (وبِلَوْ إِلَى خِلاَفٍ مَذْهَبِيٍّ) يريد: أنه يشير بلو الإغيائية المقرونة بواو النكاية، المكتفى عن جوابها بما قبلها إلى خلاف منسوب لمذهب مالك وشاهد الاستقراء يقضي بصحته؛ وإن لم يثبت في بعض النسخ، ولكن لا يشير بها إلا لخلاف قويٍ، ولا يطّرد ذلك في (وإن) مع أنّه كثير من كلامه.

متن الخليل:
والله أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ مَنْ كَتَبَهُ، أَوْ قَرَأَهُ، أَوْ حَصَّلَهُ، أَوْ سَعَى فِي شَيْءٍ مِنْهُ، واللهُ يَعْصِمُنَا مِنَ الزَّلَلِ، ويُوَفِّقُنَا فِي الْقَوْلِ والْعَمَلِ، ثُمَّ أَعْتَذِرُ لِذَوِي الأَلْبَابِ، مِنَ التَّقْصِيرِ الْوَاقِعِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وأَسْأَلُ بِلِسَانِ التَّضَرُّعِ والْخُشُوعِ، وخِطَابِ التَّذَلُّلِ والْخُضُوعِ، أَنْ يُنْظَرَ بِعَيْنِ الرِّضَا والصَّوَابِ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ كَمِّلُوهُ، ومِنْ خَطَإٍ أَصْلِحُوهُ، فَقَلَّمَا يَخْلُصُ مُصَنِّفٌ مِنَ الْهَفَوَاتِ، أَوْ يَنْجُو مُؤَلِّفٌ مِنَ الْعَثَرَاتِ.

.باب الطهارة:

.باب يُرْفَعُ الْحَدَثُ وحُكْمُ الْخَبَثِ:

بِالْمُطْلَقِ، وهُوَمَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلا قَيْدٍ وإِنْ جُمِعَ مِنْ نَدًى، أَوْ ذَابَ بَعْدَ جُمُودِهِ أَوْ كَانَ سُؤْرَ بَهِيمَةٍ أَوْ حَائِضٍ أَوْ جُنُبٍ أَوْ فَضْلَةَ طَهَارَتِهِمَا، أَوْ كَثِيراً خُلِطَ بِنَجِسٍ لَمْ يُغَيِّرْهُ، أَوْ شُكَّ فِي مُغَيِّرِهِ هَلْ يَضُرُّ، أَوْ تَغَيَّرَ بِمُجَاوِرِهِ، وإِنْ بِدُهْنٍ لاصِقٍ أَوْ بِرَائِحَةِ قُطْرَانِ وِعَاءِ مُسَافِرٍ.
الشرح:
قوله: (أَوْ شُكَّ فِي مُغَيِّرِهِ هَلْ يَضُرُّ؟) الشكّ هو: التردد بين أمرين متساويين، فيخرج به التردد في ماء بئر الدور، إذا جهل سبب نتنها؛ لما يغلب على الظن أن ذلك من المراحيض المجاورة لها؛ فتترك ما لم توقن السلامة، بخلاف بئر الصحراء حسبما في سماع أشهب وابن نافع.
أَوْ بِمُتَوَلِّدٍ مِنْهُ، أَوْ بِقَرَارِهِ كَمِلْحٍ، أَوْ بِمَطْرُوحٍ فِيهِ ولَوْ قَصْداً مِنْ تُرَابٍ أَوْ مِلْحٍ، والأَرْجَحُ السَّلْبُ بِالْمِلْحِ.
قوله: (أَوْ بِمُتَوَلِّدٍ مِنْهُ)كالطحلب ما لم يطبخ فيه، كذا قيّده الطرطوشي فيما ذكر ابن فرحون.

متن الخليل:
وَفِي الاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ إِنْ صُنِعَ تَرَدُّدٌ، لا بِمُتَغَيِّرٍ لَوْناً أَوْ طَعْماً أَوْ رِيحاً بِمَا يُفَارِقُهُ غَالِباً مِنْ طَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ كَدُهْنٍ خَالَطَ، أَوْ بُخَارِ مُصْطَكَى، وحُكْمُهُ كَمُغَيِّرِهِ.
الشرح:
قوله: (وفِي الاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ إِنْ صُنِعَ تَرَدُّدٌ) ابن عمران فِي "شرح ابن الحاجب": الملح غير المصنوع قسمان: ملح السباخ، وهو ما يخرج عليه الحرّ فيجمد فيصير ملحاً.
وملح المعادن، وهو حجارة، فإن أراد الفقهاء المعدني هذا الثاني فقط فهو من نوع الأرض كالكبريت والزرنيخ والزاج، وإن أرادوا مع ذلك ملح السباخ ففيه نظر؛ فإنه ماء جامد فينبغي أن لا يُختلف فيه كالثلج والجليد.

متن الخليل:
ويَضُرُّ بَيِّنُ تَغَيُّرٍ بِحَبْلِ سَانِيَةٍ.
الشرح:
قوله: (ويَضُرُّ بَيِّنُ تَغَيُّرٍ بِحَبْلِ سَانِيَةٍ) الظاهر من كلام ابن رشد فِي "الأجوبة": أن السانية ليست مخصوصة بهذا الحكم؛ لأنه فرض ذلك فِي حبل الاستقاء وهو أعمّ، ونصّه: "وأما الماء يستقى بالكوب الجديد أو الحبل الجديد فلا يجب الامتناع من استعماله فِي الطهارة إلا أن يطول مكث الماء فِي الكوب أو طرف الحبل فيه حتى يتغير من ذلك تغيراً بيّناً فاحشاً.
وكذا فرضه ابن عرفة عامّاً فقال: وفِي طهورية المتغيّر بحبل استقائه؟ ثالثها: إن لَمْ يكن تغيره فاحشاً، الأول لابن زرقون والثاني لابن الحاج،والثالث لفتوى ابن رشد فِي المغير به وبالكوب.

متن الخليل:
كَغَدِيرٍ بِرَوْثِ مَاشِيَةٍ، أَوْ بِئْرٍ بِوَرَقِ شَجَرٍ أَوْ تِبْنٍ.
الشرح:
قوله: (كَغَدِيرٍ بِرَوْثِ مَاشِيَةٍ أَوْ بِئْرٍ بِوَرَقِ شَجَرٍ أَوْ تِبْنٍ) ينبغي أن يكون التشبيه فيهما راجعاً لمجرد التغير، لا بقيد كونه بيناً كالمشبه به، وهذا هو المساعد للمنقول؛ ألا تراهم لَمْ يذكروا فيهما قولاً بالتفصيل بين البئر وغيره، كما ذكروه فِي المشبه به؛ ولذلك قال ابن عرفة: وفيما غيّر لونه ورق، أو حشيش غالب ثالثها: يكره، الأول للعراقيين، والثاني للإبياني، والثالث قول السليمانية: تعاد الصلاة بوضوئه فِي الوقت، وروى ابن غانم فيما تغيّر لونه وطعمه، ببول ماشية ترده، وروثها: لا يعجبني الوضوء به، ولا أحرّمه.
الباجي: لأنها لا تنفك عنه غالباً. كقول العراقيين فِي الورق والحشيش.
اللخمي: لأنه كثير تغيّر بطاهر قليل. وجعل فِي سلب طهوريته وكراهته قولين.

متن الخليل:
والأَظْهَرُ فِي بِئْرِ الْبَادِيَةِ بِهِمَا الْجَوَازُ، وفِي جَعْلِ الْمُخَالِطِ الْمُوَافِقِ كَالْمُخَالِفِ نَظَرٌ، وفِي التَّطْهِيرِ بِمَاءٍ جُعِلَ فِي الْفَمِ قَوْلانِ، وكُرِهَ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَدَثٍ وفِي غَيْرِهِ تَرَدُّدٌ.وَيَسِيرٌ كَآنِيَةِ وضُوءٍ، وغُسْلٍ بِنَجِسٍ لَمْ يُغَيِّرْ أَوْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ، ورَاكِدٌ يُغْتَسَلُ فِيهِ، وسُؤْرُ شَارِبِ خَمْرٍ، ومَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ، ومَا لا يَتَوَقَّى نَجِساً مِنْ مَاءٍ، لا إِنْ عَسُرَ الاحْتِرَازُ مِنْهُ، أَوْ كَانَ طَعَاماً كَمُشَمَّسٍ، وإِنْ رُؤِيَتْ عَلَى فِيهِ وَقْتَ اسْتِعْمَالِهِ عُمِلَ عَلَيْهَا، وإِذَا مَاتَ بَرِّيٌّ ذُو نَفْسٍ سَائِلَةٍ بِرَاكِدٍ ولَمْ يَتَغَيَّرْ نُدِبَ نَزْحٌ بِقَدْرِهِمَا، لا إِنْ وَقَعَ مَيِّتاً.
الشرح:
قوله: (والأَظْهَرُ فِي بِئْرِ الْبَادِيَةِ بِهِمَا الْجَوَازُ).
قال ابن رشد فِي "الأجوبة": سئلت عن آبار الصحاري التي تدعو الضرورة إِلَى طيّها بالخشب والعشب؛ لعدم ما تطوى به سوى ذلك، فيتغيّر لون الماء ورائحته وطعمه من ذلك، هل يجوز الغسل والوضوء به؟ فأجبت بأن ذلك جائز، ثم احتجّ له، وذكر فِي آخر احتجاجه:.... أن قول بعض المتأخرين فِي الماء المتغيّر فِي الأودية والغدر مما يسقط فيه من أوراق الشجر النابتة عليه، والتي جلبتها الرياح إليه: لا يجوز الوضوء ولا الغسل به - شاذ خارجٌ عن أصل المذهب فلا ينبغي أن يلتفت إليه، ولا يعرج عليه. انتهى.
وكأنه أراد ببعض المتأخرين: الإبياني، ودل آخر كلامه أن فتياه غير قاصرة عَلَى ما تطوى به البئر من ذلك، فإطلاق المؤلف صواب.

متن الخليل:
وإِنْ زَالَ تَغَيُّرُ النَّجِسِ لا بِكَثْرَةِ مُطْلَقٍ فَاسْتُحْسِنَ الطَّهُورِيَّةُ، وعَدَمُهَا أَرْجَحُ، وقُبِلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ إِنْ بَيَّنَ وَجْهَهَا أَوِ اتَّفَقَا مَذْهَباً، وإِلا فَقَالَ يُسْتَحْسَنُ تَرْكُهُ، ووُرُودُ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ كَعَكْسِهِ.
الشرح:
قوله: (وإِنْ زَالَ تَغَيُّرُ النَّجِسِ لاَ بِكَثْرَةِ مُطْلَقٍ فَاسْتَحْسِنَ الطَّهُورِيَّةُ وعَدَمُهَا أَرْجَحُ) كما عزى عدم الطهورية هنا لابن يونس، كذلك فعل فِي "التوضيح"، وهو وهمٌ؛ فإن ابن يونس إنما قال ما نصّه: "اختلف فِي الماء المضاف: هل إِذَا زال عين النجاسة يزول حكمها؟، والصواب أن لا يزول حكمها؛ لأن المضاف لا تؤدى به الفرائض، ولا النوافل".
وليس هذا فِي معنى مسألتنا، ولا هو منها فِي وردٍ ولا صدرٍ؛ وإنما هذا فِي غسل النجاسة بالماء المضاف؛ ولذلك كان فِي النسخ العتيقة عن ابن يونس: (إِذَا أزال) بصيغة الرباعي.
وأصل ما قال ابن يونس مبسوط فِي "تهذيب" عبد الحقّ، قال فيه: (أعرف بين أصحابنا اختلافاً فِي الماء المضاف تغسل به النجاسة: هل إِذَا زال عينها يزول حكمها؟ أو يبقى الحكم؟ وهو الصواب؛ لأن هذا الماء المضاف لا تؤدى به الفرائض ولا النوافل، فكذلك لا يزيل حكم النجاسة، ومن قال إنه يرفع حكم النجاسة؛ فلضعف أمرها إذ تزول بغير نية، وإذ ليس إزالتها بفرض مع اختلاف الناس فِي المضاف هل تجزيء به الطهارة للحدث؟
وقد نقل ذلك أبو الحسن الصغير عند قوله فِي الكتاب: ولا يزيل النجاسة من الثوب والبدن إلا الماء، وكره مالك لمن فِي فمه قطرة من دم أن ينزعه بفيه ويمجّه، بل لَمْ يعرف ذلك الإمام ابن عرفة من نقل ابن يونس ولا غيره ممن قبل ابن بشير فقال: وقول ابن بشير فِي طهورية النجس يزول تغيّره بلا نزح: قَوْلانِ، لا أعرفه، فنفى وجدان القولين معاً فِي المذهب، وإن كان لا يلزم من عدم الوجدان عدم الوجود.
ولا يلتفت لما حكى الشيخ أبو زيد الثعالبي من ردّ بعضهم عَلَى ابن عرفة بقول ابن يونس؛ لأن الرادّ مقلدٌ لخليل فِي نقله كالشارح. نعم أغفل ابن عرفة ما ذكر ابن رشد فِي رسم النسمة من سماع عيسى قال: روى ابن وهب وابن أبي أويس عن مالك فِي جباب تحفر بالمغرب، فتسقط فيها الميتة فيتغير لون الماء وريحه ثم يطيب الماء بعد ذلك؟ أنه لا بأس به، ظاهره بلا نزح؛ عَلَى أنه ذكر أن أبا محمد جهَّل بعضهم فِي قوله فِي ماجل قليل الماء وقعت فيه فأرة: يطين حتى يكثر ماؤه فيشرب.
قال: فإن فعل شرب وهذا مما زال بكثرة مطلق، وقد كان صاحبنا الفقيه المحصل أبو العباس أحمد الونشريسي ـ حفظه الله تعالى ـ لما بلغه عني هذا التعقب أتاني بجزءٍ من وضع الإمام العلامة أبي عبد الله بن مرزوق عَلَى هذا المختصر، استخرجه من خزانة من هو به ضنين، وأطلعني عليه فإِذَا به تعقب كلام المؤلف بنحو ما قلناه؛ فقال لي: احمد الله عَلَى موافقة نظرك لنظره، وتعلّق بحفظي من كلام ابن مرزوق ما معناه: أن المؤلف إن كان حمل كلام ابن يونس عَلَى نفس ما نحن فيه فهو وهمٌ، وإن أراد أن يقيسه عليه فهو بعيد؛ وإنما أطلت الكلام فِي هذا؛ لأن بعض فضلاء أصحابنا نازع فيه استبعاداً لتوهيم المؤلف واتباعه، والحقّ أحقُّ أن يتبع.

.فصل الأعيان الطاهرة:

الطَّاهِرُ مَيْتُ مَا لا دَمَ لَهُ، والْبَحْرِيُّ ولَوْ طَالَتْ حَيَاتُهُ بِبَرٍّ، ومَا ذُكِّيَ وجُزْؤُهُ، إِلا مُحَرَّمَ الأَكْلِ، وصُوفٌ، ووَبَرٌ، وزَغَبُ رِيشٍ، وشَعْرٌ ولَوْ مِنْ خِنْزِيرٍ إِنْ جُزَّتْ، والْجَمَادُ وهُوَجِسْمٌ غَيْرُ حَيٍّ، ومُنْفَصِلٍ عَنْهُ إِلا الْمُسْكِرَ، والْحَيُّ ودَمْعُهُ وعَرَقُهُ ولُعَابُهُ ومُخَاطُهُ وبَيْضُهُ ولَوْ أَكَلَ نَجِساً، إِلا المَذِرَ، والْخَارِجَ بَعْدَ الْمَوْتِ، ولَبَنُ آدَمِيٍّ إِلا الْمَيِّتَ، ولَبَنُ غَيْرِهِ تَابِعٌ، وبَوْلٌ، وعَذِرَةٌ مِنْ مُبَاحٍ إِلا الْمُتَغَذِّي بِنَجِسٍ، وقَيْءٌ، إِلا الْمُتَغَيِّرُ عَنِ الطَّعَامِ، وصَفْرَاءُ، وبَلْغَمٌ، ومَرَارَةُ مُبَاحٍ، ودَمٌ لَمْ يُسْفَحْ، ومِسْكٌ وفَأْرَتُهُ، وزَرْعٌ بِنَجِسٍ، وخَمْرٌ تَحَجَّرَ أَوْ خُلِّلَ.
والنَّجِسُ مَا اسْتُثْنِيَ، ومَيْتُ غَيْرِ مَا ذُكِرَ ولَوْ قَمْلَةً أَوْ آدَمِيَّاً، والأَظْهَرُ طَهَارَتُهُ، ومَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ ومَيْتٍ مِنْ قَرْنٍ وعَظْمٍ وظِلْفٍ وعَاجٍ وظُفُرٍ وقَصَبَةِ رِيشٍ وجِلْدٍ ولَوْ دُبِغَ ورُخِّصَ فِيهِ مُطْلَقاً إِلا مِنْ خِنْزِيرٍ بَعْدَ دَبْغِهِ فِي يَابِسٍ ومَاءٍ، وفِيهَا كَرَاهَةُ الْعَاجِ، والتَّوَقُّفُ فِي الْكَيْمَخْتِ، ومَنِيٌّ ومَذْيٌ، ووَدْيٌ، وقَيْحٌ، وصَدِيدٌ، ورُطُوبَةُ فَرْجٍ، ودَمٌ مَسْفُوحٌ، ولَوْ مِنْ سَمَكٍ وذُبَابٍ، وسَوْدَاءُ، ورُمَادُ نَجِسٍ ودُخَانُهُ، وبَوْلٌ، وعَذِرَةٌ مِنْ آدَمِيٍّ، ومُحَرَّمٍ ومَكْرُوهٍ، ويَنْجُسُ كَثِيرُ طَعَامٍ مَائِعٍ بِنَجَسٍ قَلَّ كَجَامِدٍ، إِنْ أَمْكَنَ السَّرَيَانُ وإِلا فَبِحَسَبِهِ.
ولا يَطْهُرُ زَيْتٌ خُولِطَ ولَحْمٌ طُبِخَ وزَيْتُونٌ مُلِّحَ وبَيْضٌ صُلِقَ بِنَجِسٍ، وفَخَّارٌ بِغَوَّاصٍ، ويُنْتَفَعُ بِمُتَنَجِّسٍ لا نَجِسٍ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ وآدَمِيٍّ، ولا يُصَلَّى بِلِبَاسِ كَافِرٍ، بِخِلافِ نَسْجِهِ، ولا بِمَا يَنَامُ فِيهِ مُصَلٍّ آخَرُ ولا بِثِيَابِ غَيْرِ مُصَلٍّ إِلا لِرَأْسِهِ، ولا بِمُحَاذِي فَرْجِ غَيْرِ عَالِمٍ، وحَرُمَ اسْتِعْمَالُ ذَكَرٍ مُحَلًّى، ولَوْ مِنْطَقَةً، وآلَةِ حَرْبٍ؛ إِلا الْمُصْحَفَ، والسَّيْفَ، والأَنْفَ، ورَبْطَ سِنٍّ مُطْلَقاً، وخَاتَمَ الْفِضَّةِ لا مَا بَعْضُهُ ذَهَبٌ ولَوْ قَلَّ، وإِنَاءُ نَقْدٍ، واقْتِنَاؤُهُ وإِنْ لامْرَأَةٍ، وفِي الْمُغَشَّى والْمُمَوَّهِ والْمُضَبَّبِ وذِي الْحَلْقَةِ وإِنَاءِ الْجَوْهَرِ قَوْلانِ، وجَازَ لِلْمَرْأَةِ الْمَلْبُوسُ مُطْلَقاً ولَوْ نَعْلاً لا كَسَرِيرٍ.
الشرح:
قوله: (وَلاَ يَطْهُرُ زَيْتٌ خُولِطَ ولَحْمٌ طُبِخَ وزَيْتُونٌ مُلِّحَ وبَيْضٌ صُلِقَ بِنَجِسٍ وفَخَّارٌ بِغَوَّاصٍ)، أمّا زيت خولط بنجس ففي تطهيره بطبخه بماء مرتين أو ثلاثاً ثالثها إن كثر، ورابعها إن تنجس بماء ماتت فيه دابّة لا بموتها فِي الزيت، فالأول لسماع أصبغ عن ابن القاسم عن مالك، وفتيا ابن اللباد، والثاني للباجي عن ابن القاسم، والثالث لأصبغ، والرابع لابن الماجشون ويحيي ابن عمر، وأمّا لحم طبخ بنجس أو وقعت فيه نجاسة ففي تطهيره ثالثها: إن وقعت بعد طيبه، فالأول لسماع موسى من ابن القاسم، والثاني لسماع أشهب، والثالث نقله ابن رشد عن الحنفي، واختاره وتبعه ابن زرقون، وهو قصور؛ لأن عبد الحقّ وابن يونس نقلاه عن السليمانية.
وأمّا زيتون مُلّح بنجس فخرّجه اللخمي عَلَى الروايتين فِي اللحم، وروى إسماعيل طرحه؛ لسقوط فأرة فيه، وقال سحنون: إن تنجس زيتون قبل طيبه طرح وبعده غسل وأكل.
وأمّا بيض سلق بنجس: فقال ابن القاسم وابن وهب: لا تؤكل بيضة طبخت مع أخرى فيها فرخ لسقيها إياها، وقال اللخمي: تؤكل السليمة عَلَى أحد قولي مالك فِي اللحم وصوّبه؛ لأن صحيح البيض لا ينفذه مائع وأمّا فخّار بغواص فحكى الباجي فِي تطهير آنية الخمر يطبخ ماء فيها: روايتين، هذا تحصيل ابن عرفة؛ إلا أنه فِي النسخ التي بأيدينا عزى مثل قول ابن اللباد لسماع ابن القاسم، وإنما هو فِي سماع أصبغ بلاغ عن مالك.
فإن قلت: ما الذي درج عليه المؤلف؟
قلت: عدم طهورية الجميع مطلقاً فإن قلت قد يتلمح من قوله: (ولَحْمٌ طُبِخَ وزَيْتُونٌ مُلِّحَ) أن ما وقع فيهما بعد الطبخ والملح لا يضر، فكأنه عَلَى القول الثالث فيهما؟
قلت: يأبى ذلك اعتماده فِي "التوضيح" تشهير ابن بشير عدم الطهورية فِي هذا الأصل قال: وبناه عَلَى خلاف فِي شهادة.

.فصل حكم إزالة النجاسة:

هَلْ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْ ثَوْبِ مُصَلٍّ ولَوْ طَرَفَ عِمَامَتِهِ وبَدَنِهِ ومَكَانِهِ لا طَرَفَ حَصِيرِهِ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ إِنْ ذَكَرَ وقَدَرَ؟، وإِلا أَعَادَ الظُّهْرَيْنِ لِلاصْفِرَارِ؟ خِلافٌ.
وسُقُوطُهَا فِي صَلاةٍ مُبْطِلٌ.
الشرح:
قوله: (وسُقُوطُهَا فِي صَلاةٍ مُبْطِلٌ) أي: وسقوط النجاسة عليه وهو فِي الصلاة مبطل لها، قال سحنون: من ألقي عليه ثوبٌ نجس فِي الصلاة، ثم سقط عنه فأرى أن يبتديء. قال الباجي: وهذا عَلَى رواية ابن القاسم.

متن الخليل:
كَذِكْرِهَا فِيهَا.
الشرح:
قوله: (كَذِكْرِهَا فِيهَا) أي: كما أن ذكر نجاسة فِي الصلاة بثوب أو بدن مبطل لها، وهو مذهب "المدوّنة" فيقطع. قال فِي غيرها: ولو كان مأموماً، وهو تفسير، وكلُّ هذا إِذَا كان الوقت متسعاً، وأما مع ضيقه فقال ابن هارون: لا يختلفون فِي التمادي إِذَا خشي فوات الوقت؛ لأن المحافظة عَلَى الوقت أولى من النجاسة.
وعلى هذا لو رآها وخشي فوات الجمعة أو الجنازة أو العيدين لتمادي لعدم قضاء هذه الصلوات، وفِي الجمعة نظر إِذَا قلنا إنها بدل، وقال فِي "التوضيح": واقتضى قوله: (كذكرها فيها) أن مجرد الذكر مبطل؛ فعلى هذا لو ذكرها أو رآها فيها فهمَّ بالقطع ثم نسي فتمادى لبطلت، وكذا نصّ عليه ابن حبيب.
قال فِي "التوضيح": وهو الجاري عَلَى مذهب "المدوّنة"، واختار ابن العربي عدم البطلان.

متن الخليل:
لا قَبْلَهَا.
الشرح:
قوله: (لا قَبْلَهَا) أي: لا إن رآها قبل الدخول فِي الصلاة، فإن ذلك لا أثر له فِي البطلان، ولكنه كمن لَمْ يرها عَلَى المعروف فيعيد فِي الوقت.

متن الخليل:
أَوْ كَانَتْ أَسْفَلَ نَعْلٍ فَخَلَعَهَا وعُفِيَ عَمَّا يَعْسُرُ كَحَدَثِ مُسْتَنْكِحٍ، وبَلَلِ بَاسُورٍ فِي يَدٍ إِنْ كَثُرَ الرَّدُّ، أَوْ ثَوْبٍ وثَوْبِ مُرْضِعَةٍ تَجْتَهِدُ، ونُدِبَ لَهَا ثَوْبٌ لِلصَّلاةِ، ودُونَ دِرْهَمٍ مِنْ دَمٍ مُطْلَقاً، وقَيْحٍ، وصَدِيدٍ، وبَوْلِ فَرَسٍ لِغَازٍ بِأَرْضِ حَرْبٍ وأَثَرِ ذُبَابٍ مِنْ عَذِرَةٍ، ومَوْضِعِ حِجَامَةٍ، مُسِحَ.فَإِذَا بَرِئَ غَسَلَ وإِلا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وأُوِّلَ بِالنِّسْيَانِ، وبِالإِطْلاقِ، وكَطِينِ مَطَرٍ.
الشرح:
قوله: (أَوْ كَانَتْ أَسْفَلَ نَعْلٍ فَخَلَعَهَا)، يقبل صورتين إحداهما ما فِي "الذخيرة" عن أبي العباس الإبياني قال: إِذَا كان أسفل نعله نجاسة فنزعه ووقف عليه جاز كظهر حصير، والثانية: ما ذكر المازري عن بعضهم: أن من علم بنعله نجاسة وهو فِي الصلاة فأخرج رجله دون تحريك صحت صلاته.
قلت: لكن يرجّح أنه أراد الأولى فقط اقتصاره عليها فِي "التوضيح"، وتقييده هنا النجاسة بالأسفلية، وكونه لَمْ يشترط عدم التحريك، وعدم مناقضة ما تقدم فِي سقوطها وذكرها فيها. والله سبحانه أعلم.

متن الخليل:
وإِنِ اخْتَلَطَتِ الْعَذِرَةُ بِالْمُصِيبِ، لا إِنْ غَلَبَتْ، وظَاهِرُهَا الْعَفْوُ، ولا إِنْ أَصَابَ عَيْنَهَا، وذَيْلِ امْرَأَةٍ مُطَالٍ لِلسِّتْرِ ورِجْلٍ بُلَّتْ يَمُرَّانِ بِنَجِسٍ يَابِسٍ يَطْهُرَانِ بِمَا بَعْدَهُ، وخُفٍّ ونَعْلٍ مِنْ رَوَثِ دَوَابَّ، وبَوْلِهَا إِنْ دُلِكَا لا غَيْرِهِ، فَيَخْلَعُهُ الْمَاسِحُ لا مَاءَ مَعَهُ، ويَتَيَمَّمُ، واخْتَارَ اللَّخْمِيُّ إِلْحَاقَ رِجْلِ الْفَقِيرِ، وفِي غَيْرِهِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلانِ، ووَاقِعٍ عَلَى مَارٍّ، وإِنْ سَأَلَ صُدِّقَ الْمُسْلِمُ. وكَسَيْفٍ صَقِيلٍ لإِفْسَادِهِ مِنْ دَمٍ مُبَاحٍ، وأَثَرِ دُمَّلٍ لَمْ يُنْكَأْ، ونُدِبَ إِنْ تَفَاحَشَ كَدَمِ بَرَاغِيثَ إِلا فِي صَلاةٍ.
الشرح:
قوله: (وَلا إِنْ أَصَابَ عَيْنَهَا) إنما أخّرَه لئلا ينطبق عليه قوله: (وظاهرها العفو)، وقد قال فِي "التوضيح": يبعد وجود الخلاف فِي ذلك.

متن الخليل:
ويَطْهُرُ مَحَلُّ النَّجِسِ بِلا نِيَّةٍ بِغَسْلِهِ إِنْ عُرِفَ، وإِلا فَبِجَمِيعِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ كَكُمَّيْهِ بِخِلافِ ثَوْبَيْهِ فَيَتَحَرَّى بِطَهُورٍ مُنْفَصِلٍ كَذَلِكَ ولا يَلْزَمُ عَصْرُهُ مَعَ زَوَالِ طَعْمِهِ، لا لَوْنٍ ورِيحٍ عَسُرَا والْغُسَالَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ نَجِسَةٌ، ولَوْ زَالَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمُطْلَقِ لَمْ يَتَنَجَّسْ مُلاقِي مَحَلِّهَا، وإِنْ شَكَّ فِي إِصَابَتِهَا لِثَوْبٍ وَجَبَ نَضْحُهُ، وإِنْ تَرَكَ أَعَادَ الصَّلاةَ كَالْغُسْلِ، وهُوَرَشٌّ بِالْيَدِ بِلا نِيَّةٍ لا إِنْ شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ أَوْ فِيهِمَا.
الشرح:
قوله: (بِخِلافِ ثَوْبِهِ فَيَتَحَرَّى)، هذا الذي صحح ابن العربي، وفِي "النوادر" عن سحنون وابن الماجشون يصلي بهما، وعن ابن مسلمة يصلي بها ما لَمْ تكثر، هذا تحصيل ابن عرفة قال فِي "التوضيح": والفرق عَلَى المشهور بين الأواني والثياب خفَّة النجاسة للاختلاف فيها، بخلاف الأواني، إذ لا خلاف فِي اشتراط المطلق فِي رفع الحدث.
قال: ونصّ سند عَلَى أنه يتحرى فِي الثوبين عند عدم ما يغسلهما به، خلاف ظاهر كلام ابن شاس وابن الحاجب. انتهي.
وقد أغفلوا كلهم حتى ابن عرفة ما فِي سماع أبي زيد بن أبي الغمر من كتاب الصلاة، ونصّه: "قال ابن القاسم فيمن حضرته الصلاة فِي سفر وليس معه إلا ثوبان أصابت إحدهما نجاسة لا يدري أيهما هو؟ قال: يصلي فِي أحدهما ثم يعيد فِي الآخر مكانه.
وقد بلغني عن مالك أنه قال: يصلي فِي واحد منهما ويعيد ما كان فِي الوقت إن وجد ثوباً، كما قال فِي الثوب يعني الواحد: ولست أنا أرى ذلك؛ ولكن يصلي فِي أحدهما ثم يعيد فِي الآخر مكانه، ثم لا إعادة عليه فِي وقت ولا غيره، وإن وجد غيرهما.
قال ابن رشد: قول ابن القاسم استحسان؛ لأنه إِذَا صلى بأحد الثوبين ثم أعاد بالآخر مكانه فقد تيقن أن إحدى صلاتيه قد حصلت بثوبٍ طاهر، وفيه نظر؛ لأنه إِذَا صلى فِي أحدهما عَلَى أن يعيد فِي الآخر، فلم يعزم فِي صلاته فيه عَلَى أنها فرضه إِذَا صلى بنية الإعادة، فحصلت النية غير مخلصة فيها للفرض، وكذلك إِذَا أعادها فِي الآخر لَمْ تخلص النية فِي إعادته للفرض؛ لأنه إنما نوى أنها صلاته إن كان هذا الثوب هو الثوب الطاهر، وقول مالك أصحّ وأظهر من جهة النظر والقياس؛ لأنه يصلي فِي أحدهما عَلَى أنه فرضه فتجزئه صلاته، إذ لو لَمْ يكن له غيره فصلى به وهو عالم بنجاسته لأجزأته صلاته، ثم إن وجد فِي الوقت ثوباً طاهراً أعاد استحباباً. انتهى.
وانظر: هل يمكن أن يكون معنى قول مالك: يصلي فِي واحد منهما بعد أن يتحراه. والإعادة الوقتية لا تنافيه، فيقرب القَوْلانِ من القولين، وفِي هذه الرواية مستند لسند فِي اختصاص التحري بالضرورة. والله سبحانه أعلم.

متن الخليل:
وهَلِ الْجَسَدُ كَالثَّوْبِ، أَوْ يَجِبُ غَسْلُهُ؟ خِلافٌ.
الشرح:
قوله: (وهَلِ الْجَسَدُ كَالثَّوْبِ أَوْ يَجِبُ غَسْلُهُ خِلافٌ) وسكت عن البقعة.
قال ابن عرفة: قال بعض شيوخ شيوخنا: والبقعة تغسل اتفاقاً؛ ليسر الانتقال المحقق.
وقال بعض شيوخنا الفاسيين: كالجسد، ونقله عن "قواعد" عياض. انتهى.
قلت: بل ظاهر "قواعد" عياض أن البقعة كالثوب، و بغسلها اتفاقاً قطع الشرمساحي.

متن الخليل:
وإِذَا اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِمُتَنَجِّسٍ أَوْ نَجِسٍ، صَلَّى بِعَدَدِ النَّجِسِ وزِيَادَةِ إِنَاءٍ. ونُدِبَ غَسْلُ إِنَاءِ مَاءٍ ويُرَاقُ لا طَعَامٍ وحَوْضٍ تَعَبُّداً سَبْعاً بِوُلُوغِ كَلْبٍ مُطْلَقاً، لا غَيْرِهِ عِنْدَ قَصْدِ الاسْتِعْمَالِ بِلا نِيَّةٍ ولا تَتْرِيبٍ، ولا يَتَعَدَّدُ بِوُلُوغِ كَلْبٍ أَوْ كِلابٍ.
الشرح:
قوله: (وإِذَا اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِمُتَنَجِّسٍ، أَو نَجِسٍ صَلَّى بِعَدَدِ النَّجِسِ وزِيَادَةِ إنَاءٍ) فهم الشارح هنا، وفِي "الشامل": أن هذا القول مغاير للقول: بأنه يتوضأ ويصلي حتى تفرغ، وهو وهم اغترّ فيه بكلام ابن عبد السلام، وقد تعقبه ابن عرفة وقال فِي "التوضيح": إنما ينبغي أن يكون محل الأقوال التي ذكر ابن الحاجب إِذَا لَمْ يتحقق عدد النجس من الطاهر أو تعدد النجس واتحد الطاهر.